كوثر بن هنية تعرض ما حدث لهند رجب
إخراج: كوثر بن هنية
* تونس/ فرنسا | دراما سياسية
- عروض 2025: ڤينيسيا (المسابقة الرسمية).
ليس أن هذا الفيلم هو أفضل أفلام المخرجة التونسية كوثر بن هنية، بل إنه واحد من أفضل أفلام «مهرجان ڤينيسيا» أيضاً. الاحتمال بأن يخرج الفيلم بجائزة أولى أو ثانية كبير، لكن إذا حدث ذلك أو لم يحدث، فإن الثابت هو أنه فيلم الساعة، وسيبقى كذلك لأمد بعيد.
جزء من هذه الديمومة يعود إلى الوضع الماثل في غزّة، الذي بات طرحاً عالمياً بين الناس والأنظمة على حد سواء. لكن الجزء الأهم والأكبر هو الطريقة التي اختارت فيها المخرجة معالجة موضوع الفتاة هند رجب، التي تداول العالم مأساتها عندما قصفت القوات الإسرائيلية السيارة التي كانت تنقلها وأقاربها. لا تعرض المخرجة ما حدث كسرد قصصي، بل تضيف إليه ثنايا ودقائق الحدث نفسه، لتكشف عن الواقع الكبير لمحنة غزّة، ومن فيها من خلال موقع واحد وهواتف متبادلة.
مركز للهلال الأحمر في رام الله يتلقى هاتفاً عن قصف طال تلك السيارة، ويطلب من المركز التحرك لإنقاذ الفتاة (نسمع صوتها ولا نراها).
الدراما ليست فقط في محاولة إنقاذ تلك الفتاة، التي تكوّمت جثث الضحايا فوقها في السيارة، بل أساساً في أيدي المركز المكبّل بالقوانين والقواعد التي عليه أن يتعامل معها قبل أن تبدأ رحلة وصول الهلال الأحمر في غزّة إلى الضحية، بما في ذلك التعامل مع الجيش الإسرائيلي نفسه. في واحدة من مشادات عديدة بين عمر ورئيسه مهدي (عامر هليهل)، يصرخ الأول: «تطلب الإذن من الجيش نفسه الذي قتل ضحايا السيارة». لكن مهدي ليس جباناً ولا يقل تأثراً بالوضع عن أي من العاملين في مكتبه. كل ما في الأمر أنه مربوط بخيارات محدودة، كل منها ينطوي على اتصال بجهة، عليها بدورها الاتصال بجهة أخرى، ليُفتح الطريق إلى تلك المنطقة من المدينة التي ارتكبت القوات الإسرائيلية فيها تلك المجزرة.
الأحداث الممثلة تقع في ذلك المركز. ببراعة تستخدم كوثر بن هنية التسجيل الصوتي الأصلي للفتاة هند، التي لن نراها لأن الكاميرا لن تنتقل إلى السيارة لتصوّرها. هذه ميزة بالغة الأهمية، لأنه لو فعلت المخرجة ذلك، لحوَّلت الفيلم إلى دراما عاطفية مباشرة عوض ما يسجله في ساعة ونصف من تأثير. هو صدمة تلقي الضوء على مأساة تقع ولا يستطيع أحد التدخل لإنقاذ فتاة تستنجد عبر الهاتف. بذلك، التمثيل يقتصر فقط على الماثل في مكاتب رام الله، والباقي هو دور للصوت عبر الهواتف بين الضحية، التي لا تستطيع الحراك، وموظفي المركز الذين بدورهم لا يستطيعون فعل أي شيء.
فقط عند النهاية تنتقل الكاميرا إلى سيارة مهشّمة وسط ركام الحي بأكمله، وبعد موت الفتاة داخلها. لا تكتفي كوثر بن هنية بهذه اللكمة النفسية التي تتلو صدمة الفيلم كله، بل تصوّر حقيقة أن القوات الإسرائيلية لم تكتفِ بقصف السيارة المدنية، بل سددت ضربتها بعد ذلك إلى سيارة إسعاف الهلال الأحمر وقتل سائقها ومسعفه على بعد أمتار قليلة، في تحدٍ وإثم واضحين.
يلعب «صوت هند رجب» دوراً كبيراً في توجيه مشاهديه للحقائق. لا يحتاج إلى حكاية أكبر من تلك المعروضة، ولا إلى أن يلعب دور المرشد لتأليب المشاهدين ضد الواقع المخزي الذي يقع في فلسطين، بل يقدّم الحالة كما هي من واقع. تأثيره يُقاس برسالته وكيفية توضيب تلك الرسالة فنياً عبر الإخراج والتوليف وفن الصوت والصورة، وحقائق لا تغيب.
«صوت هند رجب» هو فيلم بسيط التكوين عن حكاية حقيقية موّثقة ومسرودة بصدق. لا ريب أنه من ناحية أخرى ينتهز الحادثة لصالحه، لكن هذا لا قيمة له أمام ما يعرضه.
إرسال التعليق